المقدمة
يتسم النظام القانوني لدولة الإمارات العربية المتحدة بتوازن فريد بين التقاليد والحداثة، حيث يجمع بين مبادئ القانون المدني والقانون العام، بالإضافة إلى أحكام الشريعة الإسلامية. يعكس هذا النظام الهجين مكانة الإمارات كمركز تجاري عالمي يواكب التوجهات العالمية في مجال الاستثمار والتجارة. يُعد فهم التفاعل بين هذه الأنظمة القانونية أمرًا حيويًا للتعامل مع العقود التجارية والمعاملات التجارية وتسوية النزاعات في بيئة الأعمال السريعة والديناميكية التي تشهدها الدولة.
يتناول هذا المقال مقارنة بين النظامين القانوني المدني والعام، ويعرض المبادئ الأساسية لحوكمة العقود في الإمارات، بالإضافة إلى التطورات القانونية الحديثة التي تؤثر في المشهد القانوني في الدولة.
القانون المدني مقابل القانون العام: لمحة مقارنة
يستند القانون المدني، الذي يُطبق في معظم الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا، إلى مجموعة من القوانين المدونة التي تُعد المرجع الرئيس للقرارات القضائية. يعتمد القضاة في هذا النظام على النصوص القانونية بشكل حرفي، وتكون العقود عادة قصيرة ومباشرة، حيث يتم تفسير أية غموضات ضمن الأطر التشريعية.
بالمقابل، يعتمد القانون العام، السائد في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، على السوابق القضائية والقانون العرفي. في هذا النظام، تكون العقود أكثر تفصيلًا، حيث تتضمن بنودًا صريحة لتحديد المسؤوليات وسبل تسوية النزاعات.
نظام الإمارات القانوني يتبع نموذجًا هجينيًا يجمع بين هذين النظامين. فبينما تسود المبادئ المستمدة من القانون المدني في التشريعات الاتحادية، تُطبق المبادئ المستقاة من القانون العام في المناطق الحرة مثل مركز دبي المالي العالمي (DIFC).
يوفر هذا النظام المزدوج درجة من المرونة التي تساهم في تلبية احتياجات مجتمع الأعمال المتنوع وتعزز بيئة الاستثمار الدولية.
قانون العقود في الإمارات: المبادئ والتطبيقات
يستند قانون العقود في دولة الإمارات إلى قانون المعاملات المدنية الاتحادي رقم 5 لسنة 1985 (المعروف بالقانون المدني) والذي يحدد المبادئ الأساسية التالية:
مبدأ حسن النية: ُلزم الأطراف بالتعامل بنزاهة وعدالة أثناء تنفيذ العلاقة التعاقدية، بما يضمن الشفافية والعدالة في المعاملات.
تكوين العقود: العقود تكون ملزمة سواء كانت مكتوبة أو شفهية، بشرط أن تستوفي شروط العرض والقبول، مع وجود موضوع مشروع للعقد.
تفسير العقود: يُعتمد في تفسير العقود على مبدأي الاختبار الذاتي (الذي يأخذ في الاعتبار نية الأطراف) والاختبار الموضوعي (الذي يركز على نصوص العقد ذاته). ويُلزم نص المادة 258(2) من القانون المدني تنفيذ العقود وفقًا لواجباتها الواضحة، إلا أن الغموض المتعمد قد يستدعي تفسير العقد ضد الطرف الذي قام بصياغته.
الضمانات والتصريحات والتدليس
يُعد فهم الضمانات والتصريحات والتدليس أمرًا بالغ الأهمية عند التعامل مع العقود الإماراتية:
- الضمانات: هي التأكيدات بشأن دقة الحقائق المحددة في العقد، وتلزم الأطراف بتعويض الطرف الآخر في حال ثبوت الإخلال بالضمانات.
- التصريحات: تُستخدم لتوجيه الأطراف للدخول في العقد، وفي حال ثبوت عدم صحتها، يمكن إلغاء العقد أو المطالبة بتعويضات.
-التدليس: يتطلب وجود نية في تضليل الطرف الآخر. وفقًا للمادة 186 من القانون المدني، يُعد السكوت المتعمد عن الحقائق الجوهرية تدليسًا، مما يبرز أهمية الصدق والشفافية في المفاوضات التعاقدية
التطورات الحديثة: قانون التنازل والتخصيم
أصدر المرسوم بقانون اتحادي رقم 16 لسنة 2021 إصلاحات مهمة تتعلق بالتنازل عن الحقوق والتخصيم، مما ساهم في تنظيم إطار نقل الذمم المدينة. تتضمن الأحكام الرئيسية في هذا القانون ما يلي:
- متطلبات الإخطار: يصبح التنازل نافذًا بين المتنازل والمتنازل له عند تنفيذه، إلا أنه يجب إخطار المدين لكي يصبح التنازل ملزمًا قانونيًا.
- تنظيم التخصيم: يُسمح فقط للكيانات المرخصة من قبل المصرف المركزي الإماراتي بمزاولة أعمال التخصيم، مما يضمن الشفافية والرقابة التنظيمية.
تعكس هذه التحديثات التزام دولة الإمارات بمواكبة المعايير الدولية وتعزيز بيئة الأعمال، مما يعزز الثقة في النظام القانوني لدولة الإمارات ويُسهم في جذب الاستثمارات.
إنهاء العقود: الطرق والتحديات
يوفر القانون المدني ثلاث طرق رئيسية لإنهاء العقود:
التراضي: تنص المادة 268 على أن الأطراف يمكنهم إنهاء العقد باتفاق مشترك.
قرار المحكمة: وفقًا للمادة 272، يمكن إنهاء العقد من قبل المحكمة شريطة أن تتم مراعاة الإجراءات القانونية اللازمة للإخطار.
القوة القاهرة: المادة 273 تنص على إنهاء العقد تلقائيًا في حال أصبح تنفيذه مستحيلًا بسبب ظروف غير متوقعة.
تُعتبر شروط الإنهاء التلقائي مقبولة قانونيًا، ولكن يتعين صياغتها بعناية لتفادي الطعن عليها. تحتفظ المحاكم بسلطة تقديرية لمنح مهلة إضافية لتصحيح الإخلال أو تقديم تعويض بدلاً من الإنهاء.
الخاتمة
يجسد النظام القانوني لدولة الإمارات العربية المتحدة مزيجًا متقنًا بين مبادئ القانون المدني والقانون العام، مما يتيح بيئة قانونية مرنة ومتوازنة لتنظيم المعاملات التجارية والمدنية. ويُعد هذا التنوع القانوني ركيزة أساسية تعزز من مكانة الإمارات كمركز عالمي للأعمال والاستثمار، مع توفير الحماية القانونية اللازمة للمستثمرين والأطراف المتعاقدة. إلا أن هذا النظام يتطلب فهماً دقيقًا وتطبيقًا سليمًا لضمان الامتثال القانوني وتفادي المخاطر المحتملة.
في مكتب الصفر ومشاركوه، نتمتع بخبرة واسعة في تقديم الاستشارات القانونية المتخصصة التي تبسط تعقيدات هذا النظام القانوني. سواء كان الأمر يتعلق بصياغة العقود، أو تسوية المنازعات، أو متابعة أحدث التطورات القانونية، فإن فريقنا مستعد تمامًا لتقديم الدعم اللازم لضمان حماية مصالحكم وتعزيز نجاحكم في بيئة الأعمال المتطورة في دولة الإمارات العربية المتحدة. تواصلوا معنا على: +97144221944 - reception@alsafarpartners.com https://www.alsafarpartners.com
Written By:
Ms. Rana Al Shoufi - Legal Consultant & Head of legal Coordination Department at Al Safar and Partners Law Firm.